لماذا يستمر هذا الإنهاك؟
السبب ببساطة مخالف لكلّ ما تعتقده. معاناتك ليست بسبب الأقدار الصعبة أو الظروف القاسية. بل هي بسبب المقاومة. مقاومة ما هو كائن الآن. كلّما جاءك شعور بالقلق أو الخوف، ماذا تفعل؟ تحاول إصلاحه، تحاول دفعه بعيداً، تحاول التفكير في حلّ يجعله يختفي. هذه المقاومة هي التي تستنزف طاقتك، كمن يسبح عكس تيّار البحر الهائج، لا يصل إلى برّ، فقط يُنهك نفسه حتى الغرق.
الخدعة الكبرى التي نصدّقها
نصدق أن التفكير الوسواسي والقلق المستمرّ هو شكل من أشكال ‘المسؤولية’ و’الحذر’. نعتقد أنه يحمينا. هذه هي الخدعة. الحقيقة هي أنك تحاول فعل شيء مستحيل: هندسة الأقدار. تحاول أن تجعل الحياة تسير على النوتة التي وضعتها أنت في رأسك. وعندما تخرج عن النوتة، تشعر أنك فشلت، أنك لم تكن كفئاً، فتعود لترسم خطة أكثر تعقيداً. إنها حلقة مفرغة من المعاناة.
قاعدة الذهب: توقف عن الطرد، ابدأ بالترحيب
تذكر، هدفنا الآن ليس طرد هذه الفكرة، ولا التخلص من هذا الانقباض في صدرك. ليس الهدف أن تصبح ‘إيجابياً’ أو ‘متفائلاً’. الهدف أبسط وأعمق من ذلك بكثير. دعني أسألك، وخذ وقتك في الإجابة:
هل يمكنك فقط السماح لهذا الشعور بأن يكون موجوداً؟
اسأل نفسك: هل أستطيع الترحيب بهذا القلق؟ ليس الموافقة على سببه، بل مجرد الاعتراف بوجوده في جسدي الآن، كما أعتبر وجود تنفّسي أو دقّات قلبي. ثم اسأل: هل أستطيع تركه؟ ليس دفعه، بل مجرد عدم التشبث به، عدم محاولة إصلاحه في هذه اللحظة. والسؤال الأخير والأهم: متى؟ متى يمكنني أن أتركه؟ والجواب البسيط المذهل: الآن.
التمرين العملي: استراحة من منصبك الإلهي
اجلس في مكان هادئ. خذ نفساً عميقاً. الآن، لاحظ ما يحدث في داخلك. هل هناك انقباض؟ خوف؟ شعور بالثقل؟
1. بدلاً من الهروب منه أو محاربته، قل في داخلك: ‘أستطيع الترحيب بهذا الشعور’. لا تحتاج إلى أن تحبه، فقط اسمح له بأن يكون موجوداً في حقل وعيك.
2. ثم اسأل: ‘هل أستطيع تركه؟’. أشعر بأنك لست مضطراً لحمله، لست مسؤولاً عن إصلاحه في هذه اللحظة.
3. واسأل: ‘متى؟’ واسمح للإجابة بأن تكون: ‘الآن’.
كرر هذا مع كل موجة قلق. أنت لا تحارب الموجة، أنت تسمح لها بالمرور وأنت ثابت في قاع البحر. في هذا الفعل البسيط، أنت تستقيل من منصب ‘إله عالمك’. أنت ترفض القيام بمهمة لا تقدر عليها إلا قدرة واحدة حقيقية.
العودة إلى الفطرة: هذه هي السكينة
عندما تتوقف عن مقاومة ما هو كائن، عندما تسمح للأحاسيس بأن تأتي وتذهب، يحدث شيء عجيب. يهدأ الصراع الداخلي. ليس لأن الظروف الخارجية تغيّرت، بل لأن علاقتك بها تغيّرت. هذا الهدوء الذي يبدأ في الظهور، هو السكينة.
هذا هو معنى التسليم الحقيقي. ليس الاستسلام للخوف أو اليأس، بل التسليم للحقيقة بأنك لست المسيطر الوحيد على المشهد. إنه التوكل العميق. أن تبذل جهدك ثم تفتح كفيك وتقول: ‘حسبي الله’. لكن لتعيش هذا الشعور، يجب أولاً أن تترك قبضتك التي تخنق حياتك.
نفسك التي تعذبها بالمحاولة المستحيلة، هي نفسك المطمئنة بالفطرة. اتركها تعود إلى أصلها. استقل من منصبك الشاق، وعد إلى مكانك الأصيل: عبدٌ مطمئن، قلبُه بين يدي رحمن، يرى الأقدار تمرّ، وهو ثابت في قلبه، لأنه وجد ملجأً أعظم من مخططاته الصغيرة.
0 Comments