الوهم الذي نعيش فيه

تعتقد أن معاناتك سببها عدم نجاح خطتك. لكن الحقيقة الصادمة هي: معاناتك سببها اعتقادك أن الخطة ستنقذك. تعيش في حرب مع الحياة نفسها. كل لحظة لا تتطابق مع توقعاتك تتحول إلى معركة. تقاوم المشاعر ‘السيئة’ (القلق، الحزن، القهر)، وتتشبث بالمشاعر ‘الجيدة’ (الطمأنينة، السعادة، الأمان). وكأن مهمتك في الحياة هي أن تكون حارساً لمشاعرك، ترفض دخول بعضها وتلاحق بعضها الهارب.

لماذا يستمر الألم؟

لأنك تقاوم. لأنك تخاف من الشعور نفسه. تخاف من موجة الحزن فتهرب إلى التسوق أو العمل الزائد. تخاف من وخز القلق فتبدأ في رسم خطط جديدة أكثر تعقيداً. لكن الهروب من الشعور هو تأكيد على خطورته. هو الذي يعطيه القوة والقدرة على مطاردتك. المقاومة هي السجن الحقيقي، وليس المشاعر ذاتها.

قاعدة الذهب: توقف عن الحرب

تذكر، هدفنا الآن ليس طرد هذه الفكرة المقلقة، ولا التخلص من هذا الانقباض في الصدر. هل يمكنك فقط السماح له بالتواجد؟ بدون محاكمته، بدون الهروب منه، بدون حتى محاولة فهمه أو تحليله؟ فقط اعترف بحضوره. قل في داخلك: ‘أسمح لك بالوجود’.

نعم، أسمح لك أيها القلق بالوجود. أسمح لك أيها الحزن بالجلوس معي. نحن لا نحاول إصلاح شيء، ولا تحقيق نصر. نحن فقط نستسلم لوجود ما هو موجود الآن. هذا هو جوهر ‘السماح بالرحيل’ – ليس طرداً، بل توقف عن الشد. مثل يد مشدودة بقبضتها، كل ما عليك فعله هو فتحها.

التطبيق العملي: أسئلة تحررك من ذاتك

لنأخذ الشعور المسيطر عليك الآن. ذلك القلق من المستقبل، أو ذلك الحزن على الماضي.

  • السؤال الأول (الترحيب): ‘هل أستطيع الترحيب بهذا الشعور؟’ لا تسأل إن كان يجب أو لا، اسأل عن الإمكانية. هل تمتلك المساحة الداخلية لأن تقول له: ‘تعال، يمكنك الحضور’؟ حتى لو كانت الإجابة ‘بالكاد’، هذا يكفي.
  • السؤال الثاني (التحرر): ‘هل أستطيع تركه؟’ مرة أخرى، هذا سؤال عن الإمكانية، وليس عن القرار الفوري. هل هناك إمكانية، ولو نظرياً، لأن تترك هذا الشعور يعيش دون أن تتشبث به أو تطرده؟
  • السؤال الثالث (التوقيت): ‘متى؟’ هذه هي اللحظة. ليس غداً، ليس بعد أن تحل مشاكلك. الآن. في هذه اللحظة بالضبط، تكمن إمكانية فتح اليد وترك الشد.

اجلس مع هذه الأسئلة. ليس كتكتيك عقلي، بل كاستكشاف قلبي. دع الصمت بين السؤال والآخر يكفي لترى ما بداخلك.

العودة إلى الفطرة: السكينة هي أصلك

ماذا حدث عندما سمحت؟ قد لا يختفي الشعور فوراً، ولكنك ستختفي أنت كمقاوم له. هذا هو الفرق الجوهري. هنا، في هذه المساحة التي لا تقاوم، تظهر ‘السكينة’. تلك الهدوء الذي ليس ضد الضجيج، بل هو أعمق منه. تلك الطمأنينة التي ليست ضد القلق، بل هي الأساس الذي يظهر عندما تتوقف الحرب.

هذه الحالة هي ‘التسليم’ بمعناه الوجودي العميق. أن تسلم الأمر لحكمة أكبر من عقلك المحدود. أن توقن أن الله -سبحانه- يعلم ما لا تعلم، وأن خطتك قد تكون حجاباً بينك وبين رحمته الواسعة. ‘التوكل’ الحقيقي ليس أن تخطط ثم تقول ‘توكلت’، بل أن تخطط ثم تفتح يديك بالكامل وتقول: ‘ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن’. أن ترضى بما يأتي بعد أن بذلت الأسباب، لأن مصدره هو الحكيم الخبير.

‘عدم المعرفة’ الذي تخشاه يصبح أمانك. لأنك عندما تعترف بأنك لا تعلم الخير من الشر الحقيقي، تتحرر من عبء أن تكون إلهاً صغيراً مسؤولاً عن كل التفاصيل. ترمي ثقل الكون عن كتفيك، وتعود إلى فطرتك: عبدٌ مطمئنٌ لربٍ رحيم. الخطة قد تكون طريقك، لكن ‘التسليم’ هو الذي يمنحك الأجنحة لتطير فوق الطريق، حيث الهواء نقي، والرؤية واضحة، والقلب منشرح بذكر الله.


0 Comments

Leave a Reply

Avatar placeholder

Your email address will not be published. Required fields are marked *