الحلقة المفرغة: عندما يصبح هروبك هو السجن

تأمّل معي هذه اللحظة. يطرق بابك خوفٌ ما – قد يكون خوفاً من المستقبل، من المرض، من الفشل، من آراء الناس. ماذا تفعل؟ الغالبية يبدأون في المقاومة. يحاولون إقناع أنفسهم بأن هذا غير منطقي، يبحثون عن أسباب طاردة، يهربون إلى الانشغالات.

لكن ماذا يحدث؟ يزداد الخوف قوةً. لماذا؟ لأن مقاومتك له هي رسالة واضحة لذهنك: ‘هذا الخوف مهم جداً وخطير، لدرجة أنني أستنفذ طاقتي لمحاربته’. أنت، دون أن تدري، تمنحه شرعية الوجود بكونك تعامله كعدوّ.

تخيّل أنك تحاول منع نفسك من التفكير في فيل وردي. حاول الآن. هل تستطيع؟ بالطبع لا. كل محاولة للمنع تذكّرك بما تحاول نسيانه. هكذا يعمل الخوف عندما تحاول قمعه.

الوهم الكبير: الاعتقاد بأنك تتحكّم

نحن نعيش في زمن يعظ بالسيطرة. كن مسيطراً على مشاعرك، على أفكارك، على حياتك. لكن هل لاحظت أن محاولات السيطرة المفرطة هذه تجلب العكس؟ تجلب التوتر والقلق من فقدان هذه السيطرة المفترضة.

الحقيقة الصادمة التي لا يريد كثيرون سماعها هي: أنت لا تتحكم في ظهور المشاعر. تأتي المشاعر كما تأتي الغيوم في السماء. هل تستطيع منع غيمة من الظهور؟ لكنك تتحكم في شيء واحد: كيفية استقبالك لها. هنا يكمن السر.

قاعدة الذهب التي تحتاج أن ترسخ في قلبك قبل أن نستمر: تذكر، هدفنا الآن ليس طرد هذه الفكرة، ولا التخلص من هذا الانقباض في الصدر. هل يمكنك فقط السماح له بالتواجد؟ هل تستطيع أن تتوقف عن الحرب مع نفسك للحظة واحدة؟

التسليم: ليس استسلاماً، بل حكمة

كلمة ‘تسليم’ قد تُفهم خطأً على أنها استسلام سلبي أو هزيمة. لكن التسليم الحقيقي الذي نتحدث عنه مختلف تماماً. إنه التسليم للواقع كما هو الآن، قبل أن تبدأ في محاربته.

التسليم أن تقول لنفسك: ‘نعم، الخوف موجود الآن في جسدي. أشعر بتوتر في صدري. أشعر بضيق في التنفس’. فقط هذا. لا تحكم عليه بأنه سيء، لا تحاول تغييره. دعه يكون. هذا هو القلب النابض لمفهوم ‘التفويض’ في الإسلام: أن تترك الأمر بعد أن تبذل جهدك، وأن تثق بأن هناك حكمة أكبر مما تراه.

السكينة التي وعد الله بها المؤمنين لا تأتي من غياب المخاوف، بل من الاستقرار في قلب العاصفة. من معرفة أن الخوف مجرد ضيف، وليس أنت.

تمرين بسيط: السؤال الذي يغير كل شيء

دعنا نجرب شيئاً بسيطاً الآن. خذ نفساً عميقاً. ولنستخدم تقنية سهلة من عالم الوعي العميق، نُصغّيها لتناسب روحنا وفطرتنا.

عندما يظهر الخوف أو القلق، اسأل نفسك بصدق: ‘هل هذا الشعور هو أنا؟’ توقف. لا تجاوب بسرعة. تأمل.

أنت الذي تلاحظ الخوف، أليس كذلك؟ إذن، أنت غير ما تلاحظه. الخوف يظهر ويختفي، لكن الوعي الذي يلاحظه ثابت. أنت ذلك الوعي، وليس الضيف المزعج الذي زارك.

اسأل: ‘هل يمكنني أن أرحب بهذا الشعور كما هو، دون رغبة في تغييره؟’ ليس لأنك تحبه، بل لأن مقاومته هي ما تسبب المعاناة. ثم اسأل: ‘هل يمكنني تركه وشأنه الآن؟’ الجواب عادة يكون: ‘نعم، لكن…’. هذه ‘لكن’ هي المقاومة. لاحظها هي أيضاً.

من الخوف إلى السكينة: العودة إلى الأصل

ما يحدث عندما تتوقف عن المقاومة شيء مذهل. الخوف يفقد وقوده. كالطفل الذي يصرخ ليحصل على الاهتمام، فإذا تجاهلته بهدوء (لا بإهمال، بل بوعي)، يهدأ من تلقاء نفسه.

هذه ليست نظريات مجرّدة. جربها في المرة القادمة التي تشعر فيها بانقباض. فقط اجلس معه. قل: ‘أهلاً بالخوف. أنا لا أقاتلك اليوم’. شاهد ما يحدث.

هذه الحالة من السلام ليست اكتشافاً جديداً. إنها العودة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها. إلى السكينة التي هي هبة من الله لمن وفّق أمره إليه. عندما تتوقف عن لعب دور ‘المسيطر’ على كل شيء، تسمح للقدرة الحقيقية – قدرة الله – أن تعمل في حياتك.

الخاتمة ليست اختفاء الخوف من حياتك. بل هي تحوّلك أنت. تصبح العلاقة مع خوفك مختلفة. تراه يمر كسحابة في سماء وعيك الواسع. وتذكر دائماً: المؤمن القوي ليس الذي لا يخاف، بل الذي يعرف كيف يستقبل خوفه ثم يمضي في طريقه، موقناً أن مع العسر يسراً، وأن بعد الضيق فرجاً.


0 Comments

Leave a Reply

Avatar placeholder

Your email address will not be published. Required fields are marked *